...

هل أنا حارس لأخي؟ (تكوين 9:4)

 

 

 

“أخي هو حياتي”، هذا قول مشهور للقدّيس سلوان الآثوسيّ، ويعني أنّ الآخر، قريبي، زميلي في العمل والأشخاص الذين ألتقي بهم جميعا هم حياتي. فلنتأمّل في هذه الكلمات، فبالرغم من أنّ مجتمعنا يسير باتّجاه التركيز على الأنا (individualism) إلا أنّ إيماننا الأرثوذكسيّ عمل ويعمل دائما عكس هذا الإتّجاه. فنحن المسيحيين نؤمن أنّ البشر مترابطون بعضهم ببعض بشكل وثيق، وهذا الأمر كان واضحا في تعليم ربّنا وإلهنا يسوع المسيح، فهو القائل: “كنت جائعاً، كنت عطشانَ، كنت عرياناً، كنت مريضاً وفي السجن – كلّ ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء فبي فعلتم”.
كما أنّ هناك أمثالاً كثيرة في الكتاب المقدّس أراد المسيح من خلالها الإشارة إلى هذا الأمر المهمّ أيّ، أنّ راحة أخي وسعادته هم جزء لا يتجزّأ من راحتي وسعادتي، لا بل حتى، إنّ سعادة أخي وراحته على حساب راحتي وسعادتي هما ضمانة لسعادتي وراحتي الأبديّتين. مثل الغنيّ ولعازر واضح جدًّا من ناحية طرح هذا الأمر الأساس في نجاح حياتنا الروحيّة. فالغنيّ لم يلحظ وجود لعازر الفقير والمريض على باب بيته، تجاهله بالكلّيّة. المسيح أدان الغنيّ وبارك لعازر، ولكن لماذا؟ من المؤكّد أنّ المسيح لم يُدن الغنيّ بسبب غناه، فالكنيسة لا ترى في الغنى واقتناء الممتلكات خطيئة. بالرغم من هذا فالكتاب المقدّس يحذّرنا من خطورة أن يكون المرء غنيّا. لماذا؟ لأن الغنىيحاول أن يجعلنا عبيدًا له لكي نعتمد عليه وليس على الله. يمكن للغنى أن يعمي قلوبنا وأن يجعلنا عادمي الإحساس أمام تنهّدات المحتاجين وحاجاتهم إلى المعونة. يا إخوة إنّ الراحة والأمن الذاتيّ يجعلاننا نشعر بأنّنا لا نقهر(بضمّ النّون) وهذا الأمر يجذّر فينا الغرور والكبرياء. فنبدأ بالظنّ أنّنا حصلنا على هذا الغنى وهذه الأمبراطورية بواسطة قدراتنا الذاتيّة، الفكريّة، الصحّيّة ومؤهِّلاتنا، ناسين أنّ “كلّ عطيّة كاملة هي منحدرة من عند الله”. لهذا، في معظم الأحيان، نخدع أنفسنا عندما نعتقد أنّ السعادة والأمان يأتيان بواسطة الغنى. الغنى والمال هما تجربة خطيرة، لأنّهما يحاولان أن يأخذا مكان الله ووصيّته في حياتنا. منذ بدء الزمان، سأل قايين الله “أأنا حارس لأخي؟” أجاب الله بصراحة مطلقة: “نعم، كلٌّ منّا هو حارس لأخيه”. فهذه مسؤوليّة عمليّة، ملحّة وضروريّة في حياتنا الروحيّة التي تكمل بواسطة الأعمال الحسنة حسب قول الرسول يعقوب في رسالته الجامعة، وهي مكمِّلة لكلّ ما هو نافع لنفوسنا.

فدَعُونا يا إخوة نتذكّر دائما أنّ إخوتنا هم حياتنا لأنهم صورة لإلهنا الذي أحيانا ولا يزال يحيينا، ودَعُونا نتشارك كلّ ما هو حسن مع الآخرين الذين هم صورة خالقنا، لكي يسمح لنا الربّ بالمشاركة في ملكوته السماويّ، لأنّنا، ببساطة، إن أحببنا أبناءه فبالتالي أحببناه بهم. وبدون حبّ ما يُرى لا يمكن حبّ ما لا يُرى على حسب قول القدّيس يوحنّا الإنجيليّ البشير.
+أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 48، الأحد 29 ت2 2015