...

حاملات الطيب

 

خلال أربعين يومًا من الفصح، كان المسيحيون القدامى يسلّمون بعضهم على بعض بتحيّة “المسيح قام”. وقد حافظت الكنيسة على هذا التراث إذ ما من تحيّة تُعبّر عن النصر الحقيقي أكثر من هذه. ولقد كان الفصح عيدًا أسبوعيا أقامته الكنيسة الأولى كل أحد ولا نزال على خطاها.

المسيحيون الأوائل شغَلَ الفصحُ قلوبهم بعد أن عرفوا أنه هو التعبير الكامل عن محبة الله للناس، ليس أننا نتحدث عن المحبة، والحديث عنها كثير في الإنجيل، ولكن هناك من عاش المحبّة حتى بذل حياته في سبيل من أَحب، وقد تمّ ذلك بالجسد ليدلّ على أن الذين في الجسد قادرون أن يحبوا إذا اتّبعوا مثال المخلّص، وإذا بذلوا نفوسهم يوما بعد يوم في سبيل الإخوة.

يُحدّثنا إنجيل اليوم عن حلقة من النسوة اللواتي عُرفن في ما بعد بحاملات الطيب بعد أن جئن صبيحة العيد إلى القبر ليدْهنّ الجسد الإلهي حسب الشريعة. كل واحدة منهن كانت مطيعة للسيد، وهو أَحب هذه المجموعة من النساء لأنهن كُنّ يُخصّصن أنفسهن لخدمته وكُنّ يُلازمْن الرسل.

نقرأ في رسالة اليوم أن الخدمة المسيحية أَخذت تتوزع بين خدّام الكلمة وبين من يسهر على توزيع المساعدات للمؤمنين. فكان الرسل مصلّين وخُدّاما للكلمة مبشرين، وكان الشمامسة والنسوة منصرفين إلى دعم الأرامل والأيتام والفقراء. منذ اللحظة الأولى أَحسّت الكنيسة انها جماعة يجب أن تتقوّى بالإيمان من جهة، وبالمحبة من جهة اخرى، وكان على المحبّة أن تعبّر عن نفسها بإغاثة كل المحتاجين.

النسوة حاملات الطيب ذهبن اذًا إلى القبر ورأين الحجر قد دُحرج، وعرفن آنذاك أن القبر فارغ وأن السيد قد نهض منه. قال لهن الملاك: “أنتُنّ تطلبن يسوع الناصريّ المصلوب. ليس هو ههنا، لكنه قد قام، فاذهبن وأَخبرن تلاميذه”. اللواتي أَحببن كثيرا أُهّلن للتبشير. الظهور الأول كان لهن بسبب الخدمة ليُنذرن التلاميذ بأن الرب قد قام. ثم انه كان مع التلاميذ طوال أربعين يوما يُعلّمهم ويقوّيهم حتى حلّ عليهم الروح القدس يوم العنصرة.

ديانتنا ليست ديانة حزن ولا ديانة يأس. المصلوب أمامنا في كل حين، ولكننا لا نقف عند آلامه بل نتعداها إلى قيامته. نحن لا نحزن ولا نشقى كالذين لا رجاء لهم. فإن المسيح قد انتصر وهو غالب الخطيئة والموت. بالدرجة الأولى هو غالب الخطيئة في كل واحد منا، وإذا وصل كل منا إلى الفرح، هنا على الأرض، يكون منتصرا بدوره كالمسيح. لذلك لا ينبغي أن تستوقفنا أحزان العالم ولا شقاؤنا الشخصي، ولا أن نفكّر بخطيئة ارتكبناها، بل نتجاوز كل ذلك إلى قيامة المخلّص القادر وحده أن يُحيي الذين أَحبّوه.

رجاؤنا ان نحمله في نفوسنا، في الإنجيل، في القرابين التي نتغذّى بها. رجاؤنا في المحبة الإلهية التي انسكبت علينا وتنسكب في كل حين. من أجل ذلك افرحوا، وفي كل حين أيضا أقول افرحوا، لأن المخلّص هنا، لأنه حيّ في كل نفس من نفوسنا، لأنه يمحو كل خطيئة من خطايانا، لأنه يُنعشنا من بَعد حُزن ويُحيينا من بعد موت. ولتكن كل نفس كحاملات الطيب لنحس بأننا قياميون يوما بعد يوم إلى أن يأتي ربنا يسوع المسيح ليرفعنا اليه بمجد الله الآب.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 17، الأحد 26 نيسان 2015

حاملات الطيب