...

الكوليفية وتجديد الهدوئية

 

 

الكوليفيون (Kolyvades – Κολλυβάδες) هو اسم اﻵباءالهدوئيين، منذ القرن الثامن عشر. في كنيستنا اﻷرثوذكسية أكثر من حالة اُعطيَت اسماً من باب الهزء ومن ثمّ صار الاسم ثابتاً ومعروفاً. أهم هذه الحالات هو القديس سمعان اللاهوتي الحديث الذي سمّاه أعداؤه، إكليريكيو البلاط، ﻻهوتياً من باب السخرية، لكن الكنيسة عادت لاحقاً وثبّتت الاسم جاعلة هذا القديس واحداً من ثلاثة فيها. أمّا الحالة الثانية فهي الآباء الكوليفيون، وقد سمّاهم أعداؤهم بهذا الاسم نسبة إلى الكوليفا وهي القمح المسلوق الذي يقدّم في تذكارات الموتى أو أعياد القديسين مزيّناً وممزوجاً بعدة أشياء.

قصة الكوليفيين تعود إلى سنة 1754 في دير القديسة حنة في جبل أثوس. فقد كانت كنيسة الدير تخضع لبعض التصليحات ولم ينتهِ العمل بها قبل يوم سبت، فلم يقَم قداس واقترح بعض الرهبان نقل ذكرانية الموتى (التريصاجيون) إلى اﻷحد. سبب آخر أيضاً استدعى بالنسبة إلى البعض نقل الذكرانية إلى اﻷحد وهو أن السوق الكبير كان يُقام في كارياس عاصمة الجبل يوم السبت. فكان من اﻷنسب لرهبان دير القديسة حنة بسبب بعد الدير عن العاصمة أن ينتهوا من القداس باكراً ليلحقوا السوق.رفض أغلب الرهبان نقل الذكرانية ﻷن يوم اﻷحد، بحسب التقليد الشريف، هو يوم قيامة السيد بينما يوم السبت مخصص للأموات. تطوّر الخلاف بين المجموعتين وامتدّ إلى خارج جبل أثوس وطال مختلف أوجه الحياة الروحية. أطلِق اسم الكوليفيين على الذين رفضوا الذكرانيات يوم اﻷحد. فيما بالمقابل انطلق الكوليفيون إلى التغيير أو المطالبة بالتغيير والعودة إلى التقليد في كل اﻷمور التي لحقها الخروج عن التقليد أو الضعف.
فاستعمال الاسم بالشكل الهزئي المذكور كان للتعمية على أعمالهم اﻷخرى التي دعت وأدّت إلى التجديد والتنوير على أساس التقليد اﻵبائي والفيلوكاليا التي يعتَبَر جمعها أحد إنجازاتهم. عدد من الكوليفيين تعرّض للاضطهاد من قبَل اﻷرثوذكس أنفسهم بسبب التأثير الغربي الذي كانت كنيسة القسطنطينية تحته سواء بسبب حركات الاقتناص أو بسبب تأثير العلوم والتربية الغربية على الذين كانوا ينضمون إلى الجامعات الموجودة في الغرب والمفقودة في الشرق. لكن اﻷمر لم يبقَ على ما هو إذ إن الكنيسة في وقت ﻻحق كانت تعيد إلى هؤﻻء الآباء حقهم، على غرار ما جرى مع القديس غريغوريوس بالاماس، ﻷن تعليمهم كان ينتشر وكانت النعمة تجد مَن يحمله.
فصار من الكوليفيين نيوفيطوس الكافسوكاليفي الذي يُعتَبَر منشئ التيار، والقديسون نيقوديموس اﻷثوسي جامع الفيلوكاليا وقوزما اﻹيتولي ونيكوﻻ بلاناس ونكتاريوس أسقف المدن الخمس وخريستوفوروس أرتا، أغابيوس القبرصي الذي نقل التعليم إلى جزيرته، يعقوب البيلوبونيزي، بارثانيوس كاتب سير القديسين، باييسيوس الخطاط، ديونيسيوس السياتيستي مجدد دير الفاتوبيذي، وييروثيوس اﻷب الروحي للبروتاتون في الجبل المقدس، وباييسيوس فيليشكوفسكي الذي حمل هذا الفكر إلى رومانيا، وتليمذه جاورجيوس تسارنيكا الذي حمل هذا الفكر إلى أديار مولدافيا، وصوفرونيوس فراتسيس في بوخارست، وأنتيباس المولدافي الذي أوصل هذا التعليم إلى دير بلعام في فنلندا.

يظهر في اﻷيقونة المرفَقَة العديد من القديسين اللاحقين كنيكولاس بلاناس ونكتاريوس أسقف المدن الخمس وسلوان اﻷثوسي، حتّى أن بعض النسخ الحديثة من هذه اﻷيقونة تضمّ القديسين بورفيريوس وباييسيوس وذلك ﻷن الكوليفية صارت صنو الهدوئية وكل الذين اهتمّوا بالحفاظ على التقليد وإحيائه هم من الكوليفيين.

إن الكوليفية هي كبرى الهزّات التي أصابت الجبل المقدس أثوس من بعد البالاماسية في القرن الرابع عشر. وفي اﻹطار نفسه كانت هي أيضاً معركة بين فكر التنوير الغربي والتقليد اﻷرثوذكسي. وفي كلا الحالتين بدا وكأن فكر الابتداع انتصر إذ انعقد مجمع برئاسة صوفرونيوس الثاني في سنة 1785، وانتهى بإدانة فكر الكوليفيين وحُكم على تعليمهم بأنه مسبب“للفتنة والفضائح في الكنيسة“، وتجريد بعضهم ونفي البعض اﻵخر. فمكاريوس نوتاراس أسقف كورنثوس وأثناسيوس أسقف باروس انتُزِعا من كرسييهما ونُفيا. لكن انتشار تلاميذهم وأصالة الخبرة التي علّموا عنها وأثرها في الشعب المؤمن أدّت إلى انعقاد مجمع جديد برئاسة البطريرك الشهيد غريغوريوس الخامس في 1819 حيث أعاد إلى مكاريوس وأثناسيوس اعتبارهما وضمهما إلى ﻻئحة القديسين وتبنّى تعليم الكوليفيين الذي يمنع إقامة الذكرانيات في اﻵحاد، على ما كان عليه الحال، ويشجّع على تواتر المناولة، ويدعو إلى الالتزام بالخبرة الهدوئية التجريبية وضحد التأمل الماورائي والعقلانية. من هنا صار استعمال اسم الكوليفيين دليلاً على التزام المسمّى بالهدوئية وفخراً له.

ختاماً، يلاحظ المراقب أن الكثير من الظروف تتكرر في تاريخ الكنيسة، لكن القديسين لا يتكررون، وهذا ما يثبّت الضعف والانحلال. لكن كنيسة المسيح لا تقوى عليها أبواب الجحيم.

(للأب أنطون ملكي)

www.orthodoxlegacy.com

 

 

 

 

 

الكوليفية وتجديد الهدوئية