...

الكاهن وحياته

 

الكاهن وحيـد في رعيته ومعـرّض لكل تجارب الوحدة اذ ليس عندنا مجلس شورى يجتمع فيه الكهنة للتداول في شـؤون الرعايـة. المطـران في هذه الأبرشية يجـمع الكهنـة مـرة في الشهـر ويتغيّـب أحيـانـا بعضهم. الـكـاهن متـروك لمطـالعـاتـه التي تـزوّده بالعـلـم اللاهـوتـي والبحث الرعائي، وفي الحقيقـة يبقـى لـه وقـت كثيـر إذا حـلّ المساء وانتهـت الخـدَم الإلهيـة. هـذا يعـني أنـه واعٍ أن الإرشاد يصدر عنـه وأن حيـاتـه الـروحيـة اذا شعّـت يغتـذي منها المؤمنون وهم يريدون اليوم أن يعيشـوا بالله. وهذه الحياة يطلبونها خصوصًا من كاهنـهم. رجـائي ألاّ يحسب أبـونـا أن مسؤوليـتـه تنتهـي بإقامة الخِدَم الإلهيـة. مسؤوليتـه الأسـاسيـة فـي قداستـه. والمسؤوليـة الثـانيـة فـي تغـذيـة المؤمنين بكلمة الله.

وهذه نطلبها مـن تأمل الكتـاب المقـدس كـل يـوم ومن بقيـة الكتـب التـي صدر منهـا ما لا يقلّ عن 400 كتـاب في السنـوات الأخيرة.  قـداسـة الحيـاة يطـلبهـا الـرب مـن كـل واحـد منـا وهي تأتي من الجهـاد الـروحي المستمـرّ ولا سيـما مـن صلاة الكـاهـن المستمـرة على فمـه وفـي قـلبـه خـارج الصلـوات الرسـميـة. اذا لم يُصـلّ الكـاهـن على انـفـراد تبـقـى تـلاوتـه الأفـاشيـن فـي الخــدمـة الإلهـيـة بلا شعــور. وهـذا يـبـدو للمؤمنيـن. يميّـزون بيـن مـن يتـلـو أمثــولــة قــرأهـا ومـن يعيـش كـل هـذه الكلـمات فـي قـلبـه.

 

هـم يعـرفـون مِـن وعـظـه اذا كان الـرجل حـارّا، واذا أَحـبّـوه هـذا يُقـرّبـهـم مـن السيـد لـه المجـد. أمـا اذا كـان الكـاهـن مهمـلا واجـبـاتــه ومعـرّضا سلـوكـه لـلخـلـل فـلا شـك أنـه يـُبـعـد بـعـض المـؤمـنـيـن عــن الـرب. العثـرات المـؤذيـة كثيـرًا تـأتـي مـن الإكلـيـروس أولاً. واذا عـرفنـا هـذا الـواقـع نسهـر علـى سيـرتنـا أكـثـر.

لا يخـافَـنّ الكـاهـن على دخلـه. بالمقـارنـة مع الماضي، صارت الـرعية أكثـر تحسّسًا لحـاجـاتـه. لم نصـل بعـد الى جعـل كل الكهنة في ارتياح كامل. الارتيـاح يجعـل الإكليريكي أَبعـد عـن محبـة المال، ونـزاهتـه تُقـوّي تعلّـق النـاس بـه.

لقـد جـرت العـادة عندنا وفي الغـرب أن يعـطـي المؤمنـون الكـاهـن مبلـغـًا مـن المـال بالمنـاسبـات المختـلفـة (معمـوديـة، إكليـل، جنـازة)، وسُمّـي هذا بالدارج “البطرشيل” لأن الكاهن يضع البطرشيل على صدره عند إقامة هذه الصلوات. ثم رأى بعضٌ من مجالس الرعيـة أن يُلغـوا هذا الأمـر ليدفعـوا للكنـيسة اشتـراكًا شخصيًا. أنا حتى الآن ليس عندي خيار بين هذه الطريقة او تلك. المهمّ في هذا كله ألاّ يصبح الإكليـريكـي مُحبّـا للمـال وألاّ يضع مجلس الرعيـة تعـرفـةً محـدّدة لكـلّ سـر مـن الأسرار او كل خدمة من الخـِدَم، وأن تكـون القـاعـدة حـريـة المـؤمـن. هـو يُعيـّن المبـلـغ او لا يـدفـع. نحـن لسنـا بـائعـي الأسـرار، فقـد يـُزَجّ الكـاهـن في الطمع او يشترط مبلغًا من المال. وهذا يُسمّى السيمـونية المحـرّمة فـي سفـر أعمـال الرسـل والقـانـون الكنسـي.

ومنعًا من الوقوع في الطمع الذي يُسمّيه بولس الرسول “عبادة أوثان”، رأى هؤلاء المسؤولون العلمانيون أن يدفع المؤمن مباشرة الى الكنيسة او يدفع اشتراكا سنويا توزعه الكنيسة على الكهنة.

أيّا كان النظام المتّبع، المهم أن يلازم الإكليريكيّ العفّة في هذا الموضوع فلا يتأفّف إن أُعطي القليل أو لم يُعطَ شيئًا. هذا “يعطى ويُزاد”. من أجل إعلاء احترام الكاهن ومحبتنا له، ممارسة العفّة تُخلّصه وتُخلّص أبناءه الروحيين.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 28، الأحد في 10 تموز 2011  

 

 

 

 

 

 

الكاهن وحياته