...

أن تكون أرثوذكسيًّا في عالمٍ غير أرثوذكسيّ

 

 

 

في مجتمعنا التعدّدي، يتشارك الكثير من الأرثوذكسيّين حياتهم مع أفرادِ عائلةٍ غير أرثوذكسيّين. وقد لا تكون هذه العائلات أحيانًا من المسيحيّين الممارِسين، فيُمسي الجهادُ صعبًا من أجل الحفاظ على عادات الإيمان الأرثوذكسيّ وممارساته، بخاصّةٍ في فترات الصوم، حين تأكل العائلة كلّها اللحم والبيض والبياض، بينما توصي الكنيسة الإنسان الأرثوذكسيّ بالصوم.

وقد تكون غريبةً أيضًا الصلواتُ التبريكيّة قبل الأكل إذا كان أفراد البيت من غير المؤمنين. ولا ننسَ صباح الآحاد والأعياد حيث يرغب الآخرون بالذهاب إلى الشاطئ، بينما تحتاج أنت إلى حضور القدّاس الإلهي في الكنيسة. وقد تكون مشقّة التزامك بإيمانك أصعب حين يكنّ أفراد عائلتك مشاعرًا معاديةً للدين.

أذكر عمًّا لي كان معاديًا للدين إلى حدّ منعِهِ زوجته وأولاده من الذهاب إلى الكنيسة. هذا مثالٌ متطرّف، لكنّ الكثير من المسيحيّين الأرثوذكسيّين يناضلون لعيش إيمانهم في بيئةٍ غير مساعدةٍ للحياة الروحية. وقد تمتدّ معاداة إيماننا المسيحيّ الأرثوذكسيّ هذه إلى مكان العمل أيضًا، فعددٌ كبيرٌ من أرباب العمل لا يسمح للأرثوذكسيّين بالعطلة في أيام الأعياد ولا حتى في الأعياد الكبيرة مثل ميلاد المسيح.

حين نلتزم المسيح، يجب ألاّ نسمح للآخرين بأن يَثنونا عن ممارسة إيماننا. لسنا مضطرّين إلى مجابهتهم بإيماننا بأسلوبٍ مُتَحَدٍّ، لكن يجب أن نتذكّر مثال المسيحيّين الأوائل الذين التزموا المسيح إلى حدِّ مواجهتهم الشهادة طوعيًّا بدلاً من إنكارهم إيمانهم أو مساومتهم على مبادئهم المسيحيّة.

لقد أدركتُ عن خبرةٍ أنّ العديد ممّن ينكرون أهميّة الدين في حياتهم قد فقدوا الاهتمام في الحقيقة بسبب التديّن (التقوى المبالغة)، إذ إنّهم سبق فعاينوا شكلاً مخادِعًا من المسيحيّة، فطرحوا المسيحيّة كلّها. وهناك آخرون يعتبرون أنّ المسيحيّين أشخاصٌ يدينون الآخرين ويعدّون أنفسهم أبرارًا، ما أفقدهم الاهتمام بأيّ تعبيرٍ ديني.

ما العمل؟ قبل كلّ شيء، يجب ألاّ نخفي إيماننا إطلاقًا، لكنّ هذا لا يجعل منّا مبشّرين أو أبرارًا في عين أنفسنا. المسيحيّ الشاكر على إيمانه هو أيضًا رؤوفٌ تجاه مَن لا إيمان لهم. إنّها لبداية جيّدة أن نشهد شهادةً مُحِبَّةً للمسيح بينما نتبع قواعد تقليدنا الأرثوذكسي.

فإذا تواجدنا على مائدة العشاء مع أشخاصٍ ملحدين، من المهمّ أن لا نتفاخر بإيماننا، لكن من المهمّ أيضًا أن لا نخفي كوننا مسيحيّين أرثوذكسيّين. إنّ رسم إشارة صليبٍ بسيطة قبل الأكل لا يعبّر عن شكرنا لله على الطعام وحسب، إنّما يشهد أيضًا شهادةً صامتةً لرغبتنا في عيش حياتنا بمحبّةٍ علنيّةٍ لمخلّصنا. لقد قال الرب إنه سينكرنا أمام الآب إذا أنكرناه أمام الناس. إذا أردنا أن ننمو روحيًّا، من الضروريّ أن نحافظ على تقليد إيماننا، ونلتزم بفترات الصوم، ونبذل الجهد من أجل حضور القدّاس بشكلٍ أسبوعيّ.

إنّ إخلاصنا لإيماننا ورغبتنا بالشهادة لمحبّتنا للمسيح يمكن أن يكون لهما تأثيرٌ عظيمٌ على مَن حولنا، وهذا الأهمّ. إذا تحوّلتْ محبّتنا للمخلّص إلى محبّةٍ للعائلة والقريب، سيرى مَن حولنا أنّ إلهنا حقيقيٌّ وأنّ إيماننا الأرثوذكسيّ هو حقًّا طريقة حياة تُبدّل طبيعتنا. عندما يرى الناس أننا ممتلئون من الحياة الفَرِحة وأننا لا ندين الآخرين، سيرغبون بدورهم باقتناء ما نملك، ويمكن للّؤلؤة الثمينة أن تكون لهم أيضًا!

الأب تريفن، رئيس دير المخلّص الجزيل الرحمة
نقلته إلى العربية جولي عطية
www.orthodoxlegacy.org

 

 

 

 

 

 

 

أن تكون أرثوذكسيًّا في عالمٍ غير أرثوذكسيّ