...

المسيح هو الشرق

 

 

 

“ميلادُكَ أيّها المسيحُ إلهُنا قد أشرقَ نورَ المعرفةِ في العالَم، لأنَّ السّاجدِينَ للكواكب بِهِ تعلّموا مِنَ الكَوكَبِ السُّجُودَ لَكَ يا شَمسَ العَدل، وأنْ يَعرِفُوا أنّكَ مِن مَشارِقِ العُلُوِّ أَتَيت يا رَبُّ المَجدُ لَك”.

جاء عند النبيِّ زخريّا في الطّبعةِ السّبعينيّةِ الكلامُ الآتي:

“هوذا إنسانٌ الشّرقُ اسمُه، منه يُشرقُ بَيتُ الرّبِّ ويُبنى هَيكَلُه” (زخريّا 6: 12). عندَنا هُنا كَلامٌ عن المسيّا، أي المسيحِ المنتظَر: اسمُه الشّرق، وفِعلُهُ بِناءُ هَيكلِ الرّبّ الجديد (أي الكنيسة).

صحيحٌ أنَّ المسيحَ وُلِدَ في الشّرقِ في بيت لحم في فلسطيناليوم، لكنَّ كلامَ زخريّا النبيّ يُشيرُ أيضًا إلى ما يَبعثُه المسيحُ مِن طاقةٍ إلهيّة، نُوراً لإستعلان الأُمم. أَشرقَ في ظُلمةِ هذا الدهرِ الّذي اسْوَدَّ من جَرى خطايانا.

يقول أيضًا النبيُّ أشعيا “لا تَخَفْ فإنّي معَكَ وَمِنَ المشرقِ آتِي بِنَسْلِكَ” (أشعيا 43: 5). كلمة “نَسْلِكَ” هُنا تُشِيرُ إلى المسيح. هذا ما ذَهَبَ إلَيهِ الآباءُ المُفَسِّرُون، مُوضِحِينَ أنَّ المسيحَ هُوَ مصدرُ النُّورِ الإلهيّ، الشّمسُ العقليّة.

* * *

من الملاحظ حسب التقليد المقدّس أن الكنائس مبنيّةٌ بِاتّجاهِ الشّرقِ مَنبَعِ النُّور. الصّلاةُ، الأسرارُ المقدّسة، الخِدَمُ الإلهيّة، وبخاصّةٍ القُدّاسُ الإلهيّ،

تُقامُ دائماً والوجهُ إلى الشّرق. كذلك عند رقادِ الإنسان يُوضَعُ في تابوتِهِ في القبرِ وَوَجهُه إلى الشّرق، وكأنّه ذاهبٌ لِمُلاقاةِ المسيح.

كلُّ شيءٍ منذ البدء مُوَجَّهٌ نحو الشرق، بما فيه جَنّة الفردوس، يقول في سفر التكوين: “وَجَبَلَ الرَّبُّ الإلهُ آدَمَ تُراباً مِنَ الأرض، ونفخَ في أنفه نسمةَ حياةٍ، فصارَ آدمُ نَفْساً حيّةً. وَغَرَسَ الرَّبُّ الإلهُ جَنّةً في عَدَنٍ شَرْقاً وَوَضَعَ هُناكَ آدَمَ الّذي جَبَلَهُ” (تكوين 2: 8). بَعدَ سُقُوطِ آدم، مَنَعَهُ الرَّبُّ مِنَ التَّنَعُّمِ بِفَرَحِ الفِردَوس، أو بالأحرى هي الخطيئةُ الّتي مَنَعَتْهُ مِن رُؤيةِ نُورِ المسيحِ شَجَرَةِ الحياة. “وَهَكَذَا طَرَدَ اللهُ الإِنْسَانَ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ، وَأَقَامَ مَلائِكَةَ الْكَرُوبِيمِ وَسَيْفاً نَارِيّاً مُتَقَلِّباً شَرْقِيَّ الْجَنَّةِ لِحِرَاسَةِ الطَّرِيقِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى شَجَرَةِ الْحَيَاة” (تكوين 3: 24).

بَعدَ هذا كُلِّهِ كَم مِنَ النِّعمةِ أَخَذْنا، لا فقط أن نكونَ مسيحيّين شرقيّين فحَسْب، بل وأيضًا أن نكونَ مُنتَمِينَ إلى المسيحِ الّذي مِنه نَستمدُّ المعرفةَ الحقيقيّة، الاستنارة الإلهيّةَ والحياةَ الأبديّةَ الحقّة: نُصلّي في كُلِّ صَباحٍ وقَبْلَ قِراءةِ الإنجيلِ الصّلاةَ التّالية:

“أيّها السيّدُ المُحِبُّ البَشَر، أَشْرِقْ في قُلُوبِنا بِنُورِ معرفةِ لاهُوتِكَ الذي لا يَضمَحِلّ، وَافتَحْ حَدَقَتَيْ ذِهْنِنا لِفَهْمِ تَعالِيمِ إنجيلِك…

لأنّكَ أنتَ استِنارَةُ نُفُوسِنا وَأجسادِنا أيّها المسيحُ الإله..”

 

+أفرام

مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

 

 

 

 

 

المسيح هو الشرق