...

الهدف من ذكر نسل السيد المسيح

الهدف من ذكر نسل السيد المسيح

 

الهدف من ذكر نسل السيد المسيح

لقد كُتبت الأناجيل بهدف الإيمان بالربّ يسوع المسيح الذي أتى لمـّا تَمَّ ملءُ الزمان، وتمّم القصد الإلهيّ الأزليّ.

 

وبالرغم من أنّ الكهنة والعلمانيّين يستغربون ضرورة تلاوة لائحة أسماء أجداد الربّ يسوع في الكنيسة، إلّا أنّ هذه اللائحة تدخل أيضًا في منظور الإيمان الحقيقيّ بالربّ يسوع. فالأسماء التي ترد في اللائحة تحمل رسالةً جوهريّةً في خلفيّة التاريخ البشريّ – الساقط غالبًا – الذي تُذكّرنا به.

 

لم يُسجّل البشير هذه الأسماء، في مستهلّ الإنجيل الذي دوّنه، لكي يطالع المؤمنُ “شجرة نسب المسيح”. فلو كان هذا هو الهدف، لما كان تخطّى أسماءً معيّنة وتوقّف فقط عند أخرى. وأغرب الأمور هو أنّ حياة بعضٍ من هؤلاء الأشخاص المذكورين قد عكَست شتّى أنواع الضعف البشريّ!

 

فلماذا إذاً يبدأ البشير تدوين الكرازة بعرض هذه الأسماء الكثيرة؟

 

من المؤكّد أنّ الإنجيليّ لم يُرد أن يطلعنا على هويّة أجداد الرب يسوع، بل أن يخبرنا “من” هو الربّ يسوع.

 

وتجدر الملاحظة، أوّلاً، كيف أن لائحة الأسماء تبدأ وتنتهي بتأكيد تحدّر المسيح من نسل إِبراهيم وداود:

 

آ1: “كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم”.

 

آ17: “فكل الأجيال من إِبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً ، ومن داود إلى جلاء بابل أربعة عشر جيلاً، ومن جلاء بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً”.

 

تكشف لنا هاتان الآيتان الهدف الحقيقيّ من لائحة الأسماء، وهو الآتي: يتحدّر المسيح “بحسب الجسد” (راجع رومية ٩: ٥) من نسل إِبراهيم ومن نسل داود. أي به يتحققُّ الوعد الذي صار لإبراهيم، أن بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض. وهو ابن داود الذي سيُقيم عرش داود أبيه إلى الأبد. وقد أشار بعضهم إلى أنّ العدد 14 يوازي، في اللغة العبريّة، حساب مجموع القيمة العدديّة للأحرف التي تكوّن اسم داود. وهكذا يكتمل مع يسوع الذي هو الرابع عشر بحسب الثلاثيّة الثالثة، اسم داود الملك الذي من نسله يأتي المسيح.

 

ونتأكّد من أنّ هدف لائحة الأسماء هو الكشف عن هويّة يسوع المسيح، عندما ينتقل الإنجيليّ متّى، مباشرة، من أسماء اللائحة إلى موضوع ولادة المسيح. فيتوسّع في ماكتبه بأنّ “يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يُدعى المسيح”، كي يُفسّر للقارئ “كيف” يتحدّر يسوع من نسل داود.

 

وفيما يشدّد الإنجيليّ، في سرده قصّة الميلاد، على اللقب الذي التصق باسم يسوع، وهو المسيح، يُضيف لقبين آخرين:

 

أ- هو المخلّص (ومعنى اسم يسوع ”الرب يخلّص”)، فهو الذي يُخلّص شعبه من خطاياهم. وهنا نرى كيف أنّ الصليب والقيامة، اللذين بهما نتبرّر من خطايانا، هما هدف تجسد المخلّص.

ب- وهو عمّانوئيل: “الله معنا”.

إنّ المولود من مريم العذراء هو ابن داود بحسب الجسد، أي بحسب طبيعته البشريّة، لأنّ يوسف
 رجلها من نسل داود. ولكنّه أيضا ابنُ الله، عمّانوئيل الإله القويّ، عمّانوئيل أبا الدهر الآتي، كما تنبّأ عنه إشعياء النبيّ، لأنّ ولادته لم تحصل بزرع بشريّ، بل من الروح القدس ومن مريم العذراء.

 

هذا المولود هو يسوع المسيح، ابن الله، المخلّص، الذي بولادته بلغ الزمان ملأَهُ.

الأرشمندريت يعقوب (خليل)، رئيس دير سيّدة البلمند البطريركيّ

عن “الكرمة”، العدد 53، الأحد 27 كانون الأوّل 2015

 

 

 

الهدف من ذكر نسل السيد المسيح